This post is also available in: English
توقفوا عن استخدام الأشعة السينية للجيوب
بقلم د إبراهيم عيسى . استشاري جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و جراحة الأوتار الصوتية
دققت بواسطة د علي السمير . استشاري الأشعة
دققت بواسطة د محمد مراد . أخصائي الأنف و الأذن و الحنجرة
يعتمد تشخيص أمراض الجيوب الأنفية بالأساس على السيرة المرضية و الفحص السريري للمريض و الذي يشمل فحص الأنف و الأذن و الفم و الحلق بشكل دقيق و يشمل ذلك أيضا تنظير الجيوب الأنفية. في الكثير من الأحوال يحتاج الطبيب لإجراء الصور الشعاعية للمساعدة في تشخيص المريض و توضيح الصورة الكاملة لما تلم به الجيوب من اختلالات و مشاكل عند المريض. اخذين بعين الإعتبار تكوين الجيوب الأنفية المتمثل بفراغات و غرف مرتبة بطرق متشابكة خلف بعضها البعض و فوق بعضها البعض بحيث يفصل بينها رقائق عظمية فإن ذلك يبين صعوبة معرفة ما هو داخل الجيوب عن طريق التنظير فقط فذلك يشبه الى حد كبير النظر الي بناية من عدة طوابق من خلال الباب الرئيسي فقط. لهذا استدعت الحاجة وجود وسيلة للنظر داخل الجيوب عن طريق تصوير داخل الجيوب.
السؤال المطروح دائما هو ما نوع الصورة الشعاعية الأفضل لتشخيص أمراض الجيوب الأنفية ؟ لا يختلف اثنان على أن الجواب هو الصورة الطبقية المحورية ( التصوير المقطعي ), لكن المشكلة تكمن في استمرار الأطباء في مختلف الإختصاصات باستخدام الصور السينية المسطحة لأمراض الجيوب رغم علمهم بأفضلية الصورة الطبقية متعذرين بقيامهم بذلك بعدة أعذار مثلا: أن الصورة المقطعية مكلفة جدا, إذا كانت المشكلة بسيطة فيمكن ان نكتفي بصورة رخيصة الثمن, إذا كانت المشكلة مؤقتة فلسنا بحاجة للصورة الطبقية لمعرفة تفاصيل الجيوب, الصورة المقطعية تعرض المريض الى مستوى عالي من الإشعاعات. و للإجابة عن هذه الأسئلة تفضلوا بقراءة التالي…..
بداية, لا شك أن الصور السينية لها أهمية كبيرة في تشخيص بعض مشاكل الأنف كالكسور و الأجسام الغريبة و ناميات الأنف عند الأطفال, إلا أن ما أود توضيحه هنا أن هذه الصور أصبحت من الماضي إذا كان الحديث عن تشخيص أمراض الجيوب الأنفية الأخرى.
لتوضيح وجهة نظري لنقم بتخيل التجربة التالية: إذهب انت و خمس من أصدقائك الى قسم الأشعة و اطلب تصوير اليد اليمنى لكل منكم, ثم انظر لكل صورة على حدة, ستكون الصورة واضحة و سترى عظم اليد واضحا بلون أبيض ناصع. بعد ذلك ضع الصور جميعها فوق بعضها البعض بحيث تتداخل صورة اليد بين جميع الصور, ثم حاول الإجابة على الأسئلة التالية: هل تستطيع تحديد مكان اصبعك في الصور المتداخلة؟ إذا كان هناك كسر أو ورم عظمي هل تستطيع تحديد في أي يد من الأيادي المتداخلة يوجد الكسر أو الورم؟ إذا أعدت ترتيب الصور بطريقة أخرى هل تلاحظ فرق واضح بالنتيجة العامة؟ …. أرجو أن يكون المفهوم صار واضحا الان … عند تداخل الصور السينية لليد فإن النتيجة هي يد بيضاء واحدة غير محددة المعالم و فاقدة للبعد الثالث (العمق) و بالتالي فإن تحديد الطبقة و الترتيب شبه مستحيل.
الجيوب الأنفية تشبه في تكوينها متاهة من الفرف المتداخلة و المحيطة ببعضها البعض من كل الجهات و في جميع الأبعاد كما تحيط بالعينين و يحيط بها الفم و الأنف و الدماغ, لذلك السبب فإن الصورة السينية للجيوب تشبه مجموعة صور الأيدي المتراكمة فوق بعضها في التجربة السابقة بحيث تظهر الرقائق العظمية المكونة للجيوب مغطية لبعضها و من الصعب معرفة المكان الحقيقي أو الغرفة الجيبية التي ننظر اليها بالنظر للصورة و بالتالي فإنه من الصعب معرفة مكان المشكلة و مدى خطورتها و علاقتها بالأعضاء المحيطة بها.
على النقيض من ذلك, فإن الصورة الطبقية تعطي مجموعة من الصور المتتالية لمقاطع متتالية, فعند استخدامها للجيوب الأنفية يمكننا رؤية الجيوب الأنفية بالتفصيل على شكل مقاطع
متتالية كل منها يرسم درجة مختلفة من العمق ,مما يعطي تفصيلا دقيقا لكل ما يحدث داخل الجيوب الأنفية. انضر الصورة السينية الى اليمين و قارن بيتن وضوح التضاريس بينها و بين الصورة الطبقية الى اليسار
للإجابة عن الأسئلة السابقة يجب معرفة أن تشخيص التهاب الجيوب الحاد أو المؤقت يكون عن طريق السيرة المرضية و الفحص و لا يحتاج عادة لإجراء الصور إلا في الحالات المختلطة و بالتالي فإن عدم إجراء أي نوع من الصور في هذه الحالات يعتبر بالتأكيد أقل تكلفة و أقل إشعاعا من القيام بالتصوير السيني دون الحصول على فائدة إضافية. لذا فإن توفير التكلفة و تقليل تعرض المريض للأشعة يكون بحسن انتقاء الحالات التي تستدعي التصوير و اختيار التصوير المفيد فقط و الذي يضيف الى عملية التشخيص و العلاج و ليس باستخدام أشعة قليلة التكلفة حتى لو كلنت عديمة الفائدة.
عند الحاجة لتصوير الجيوب وقت الإشتباه بوجود مشكلة مزمنة لسنا قادرين على التأكد منها أو من شدتها بالفحص و المنظار فإن الصورة الأقل تكلفة و الأقل خطرا على المريض هي بالتأكيد الصورة اللتي تعطينا الجواب الشافي بغض النظر عن تكلفتها و قوة الإشعاع بها, و مهما كانت الصورة غير المفيدة رخيصة الثمن في المنطق يعتبرها باهظة الثمن و خطيرة على المريض إذا كانت غير مفيدة بالتشخيص أو العلاج.
بقي التنويه أن كمية الإشعاع الناتج عن الصورة السينية للجيوب يساوي تقريبا (0.3 وحدة) بينما كمية الإشعاع في الصورة الطبقية للجيوب يساوي تقريبا (0.7 وحدة) و الذي يعتبر فرق بسيط جدا إذا ما قارناه بتصوير البطن الطبقي مثلا و الذي يساوي (8.00 وحدة). كما أن تكلفة الصورة السينية( في السعودية كمثال) في المتوسط تساوي تقريبا 200 ريال بينما تكلف الصورة الطبقية 500 ريال سعودي و لكم الرأي في قيمة الفرق المادي إذا ما قورن بأهمية الفرق في النتيجة. كما أنه يتم في الكثير من الحالات إعادة التصوير السيني عدة مرات و بإتجاهات مختلفة لمحاولة الوصول لنتيجة معرضين المريض للمزيد من التكلفة و الإشعاع مما يتجاوز قيمة الصورة الطبقية و كمية إشعاعها ! أود من هذا المنبر التوجه لشركات التأمين التي تطلب من الطبيب إجراء صورة سينية بشكل مبدئي لمعرفة ان هناك مشكلة بالجيوب قبل إعطاء الموافقة على إجراء الصورة الطبقية بالتفكير جليا بالتكلفة و كمية الإشعاع التي يتسبب بها هذا الإجراء الروتيني الخاطئ و لما له من تكلفة إضافية على شركة التأمين و خطورة على المريض في نفس الوقت.
بقلم د إبراهيم عيسى . استشاري جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و جراحة الأوتار الصوتية
دققت بواسطة د علي السمير . استشاري الأشعة
دققت بواسطة د محمد مراد . أخصائي الأنف و الأذن و الحنجرة