This post is also available in: English
إلتهاب الأذن الوسطى و الدوار بين العلم و الإشاعة
بقلم د إبراهيم عيسى . استشاري جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و جراحة الأوتار الصوتية
دققت بواسطة د محمد مراد . أخصائي الأنف و الأذن و الحنجرة
“المريض: دكتور أنا عندي التهاب الأذن الوسطى من سنوات و أستخدم حبوب بيتاستين و ما في تحسن…..أنا: هل تشكو من ألم في الأذن أو إفرازات؟…. المريض: لا, أنا عندي دوخة!”
“دكتور أنا عندي دوخة و رحت عند طبيب و لما نظر للأذن وجد التهاب أذن وسطى و أعطاني حبوب لمدة 3 أشهر لكن ما في تحسن”
” دكنتور منذ يومين صار عندي ألم في الصدر و دوخة و فقدت الوعي لمدة ثواني, ذهبت لأخصائي القلب و عمل لي فحوصات , و قال ممكن تكون الأذن الوسطى”
في هذه المقالة سوف أحاول توضيح اعتلالات الأذن المرتبطة بالدوخة بشكل عام. أشعر بالانزعاج عندما يحضر مريض للعيادة و هو يعاني من الدوار و قد تم تشخيصة بأنه يعاني من التهاب الأذن الوسطى , لأنه لا يوجد في الطب ما يقول أن التهاب الأذن الوسطى يسبب الدوار خاصة الحالات الحادة منها, أعتقد أن سبب تضخم و انتشار مثل هذه التعميمات و الإشاعات يشترك فيه المرضى و الأطباء و مواقع التواصل الاجتماعي أيضا.
أعلم أن معظم قراء هذا المقال يشعرون الان بالحيرة نتيجة اعتقادهم المسبق أن الأذن الوسطى هي المسؤولة عن الدوار و التوازن إلا أن ذلك ليس صحيحا, لذا أرجو متابعة القراءة للتوضيح.
معظم المرضى الذين يأتون لعيادتي بشكوى تتعلق بالتوازن لا يعانون من أي مشاكل بالأذن (لا الأذن الخارجية و لا الوسطى ولا الداخلية) فحالات الدوخة عموما تكون نتيجة لمشاكل الدماغ و الأعصاب, و المشاكل النفسية, و الإعتلالات الهرمونية , و مشاكل القلب و الشرايين, و مشاكل الضغط و السكر, و مشاكل الجيوب الأنفية و العين بالإضافة لمشاكل الأذن الداخلية.
إن كلمة (دوخة) في اللغتين العربية و الانجليزية تحمل الكثير من المعاني, من خلال تعاملي اليومي مع المرضى لاحظت ان المرضى يستخدمون كلمة دوخة لمجموعة من الأعراض المختلفة ذات الدلالات المختلفة و تتراوح بين صداع خفيف و حتى فقدان الوعي التام, لذلك فإنه من المهم عند تقييم مريض يشكو من (دوخة) معرفة ماذا يقصد المريض بهذه الكلمة بشكل وصفي دقيق.
في بعض الأحيان أحتاج لإعطاء المريض أمثلة على الأعراض الموصوفة عادة بالدوخة حتى يتسنى للمريض اخباري عن اي هذه الأعراض يحدث معه لكي نصل معا الى وصف لحالة المريض دون استخدام كلمة دوخة. قد يكون هذا غريبا لكن بالنهاية نتوصل الى أن المريض فعليا يعاني من ألم أو صداع بالرأس, أو فقدان للوعي, أو عدم تركيز , أو تعب و خمول عام, أو غباش بالرؤية, أو غثيان, أو ألم في المفاصل و الرقبة, أو الم و ضغط بالصدر, أو طنين بالأذن, أو شعور بفراغ بالرأس, أو دوران بالرأس, و كل واحدة من هذه الأوصاف يدل على مشكلة مختلفة عن الأخرى من الناحية الطبية !
تكمن أهمية التفريق بين هذه الأمراض في أن الدوار (شعور بدوران الرأس أو دوران الأرض حول الرأس) يكون عادة ناتج عن مشاكل و أمراض الأذن الداخلية و يحتاج لتقييم طبيب الأذنية أما باقي الأعراض تحتاج لاختصاصات مختلفة. بعد معرفة أن شكوى المريض هي بالفعل دوار تبدأ المرحلة الثانية و هي معرفة وقت الدوار, و مدته, و علاقته مع حركة الرأس و الجسم, و شدته, و تكراره, و علاقته مع أعراض أخرى مثل الغثيان و ضعف السمع و طنين الأذن و ألم الأذن و افرازاتها.
بعد أن تعرفنا على مفهوم الدوار و نوعية الدوار المرتبطة بالأذن سنحاول تفصيل أسباب الدوار و طرق علاجه, و أكثر هذه الأسباب شيوعا هو ما يعرف بالدوار الدهليزي الحركي الحميد, و التهاب الأذن الداخلية و التهاب عصب التوازن و أسباب أخرى مثل اختلالات شكلية و جراحية في عظم الأذن الداخلية.
أكثر الأسباب شيوعا هو الدوار الدهليزي الحركي الحميد و يعاني المريض فيه من دوار لمدة ثوان تترافق مع حركة الرأس والجسم المفاجئة باتجاه معين يليه شعور بعدم الاتزان , و يحدث على شكل نوبات مع حركة الرأس و تتكرر على فترات متفاوتة. السبب في هذا النوع من الدوار هو خلل في السائل الداخلي لقنوات التوازن الهلالية في الأذن الداخلية (وليس له علاقة بالأذن الوسطى) , و يتم التشخيص عن طريق عمل فحص سريري يشمل تحريك الرأس على السرير بطريقة معينة تسمى فحص ديكسولبايك و لا يمكن تشخيصها من خلال فحص الطبلة أو الأذن و تنظيرها فقط !
يتم عادة علاج هذا المرض عن طريق تحريك الرأس و الجسم بطريقة معاكسة لاتجاه الأذن المصابة بما يعرف بتمرين “إبلي” , و ليس للأدوية دور في علاج هذا النوع الأكثر شيوعا و إنما هناك بعض الأدوية التي تخفف الأعراض لحين حل المشكلة, لذا فإذا كنت تعاني من هذا النوع من الدوار و ما زلت تستخدم أدوية لعلاجه منذ أشهر فعليك مراجعة أقرب طبيب أذنية للمعاينة فربما يمكن علاج مشكلتك بجلسة واحدة بالعيادة.
السبب الثاني للدوار هو التهاب الأذن الداخلية الفيروسي أو التهاب العصب السمعي و هنا يكون الدوار أكثر شدة و يستمر لمدة ساعات أو أيام و يترافق مع غثيان و عدم قدرة على التوازن و المشي سببه التهاب فيروسي عادة و يتم علاجة بالأدوية المهدءة و الراحة لمدة تتراوح بين يومين الى أسبوع حتى تتلاشى الأعراض نهائيا و لا يحتاج هذا النوع أيضا لعلاج بالأدوية لمدة طويلة أكثر من ثلاث أسابيع.
تشكل ثقوب العظم المكون للأذن الداخلية الناتجة عن التهابات الأذن الوسطى المزمنة و العمليات الجراحية نسبة قليلة من أسباب الدوار و يكون علاجها عادة جراحيا.
على النقيض فإن أعراض التهاب الأذن الوسطى تشمل ألم في الأذن و ضعف بالسمع و تكون عادة مصحوبة بأعراض الزكام و أحيانا خروج إفرازات أذنية و ارتفاع حرارة الجسم و لا يشكو المريض عادة من دوخة أو دوار.
تتسبب التهابات الأذن الوسطى من عدوى فيروسية أو بكتيرية مصاحبة للزكام و انسداد الأنف الذي يسبب انسداد قناة اوستاكيوس الواصلة بين الأنف و الأذن و عادة ما يحدث ذلك عند الأطفال. يتم التشخيص عن طريق فحص طبلة الأذن حيث تبدو محمرة و منتفخة و يتكون العلاج من أدوية الاحتقان و مسكنات الألم و قطرات أنفية لعلاج انسداد الأنف و في الكثير من الأحيان المضادات الحيوية لمدة لا تتجاوز الأسبوع. لذلك فإذا كان قد تم تشخيص حالتك بالتهاب الأذن الوسطى و أنت لا تعاني من ألم في الأذن و إنما تعاني من دوار فعليك مناقشة طبيبك أو مراجعة طبيب اخر.
هناك أنواع أخرى من التهابات الأذن الوسطى مثل التهاب الأذن المزمن و تجمع سوائل الأذن الوسطى و كلاهما عادة ينتج عن عدم علاج التهاب الأذن الوسطى الحاد بالطريقة الصحيحة أو عند حدوث مضاعفات من التهاب الأذن الوسطى الحاد و لذلك الكثير من الأسباب التي لا يسمح المجال هنا للتفصيل بها لعدم علاقتها بالموضوع المطروح, إلا أنه يجدر بالذكر أنه نادرا ما تترافق هذه الأنواع أيضا مع حدوث الدوخة أو الدوار.
بقلم د إبراهيم عيسى . استشاري جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و جراحة الأوتار الصوتية
دققت بواسطة د محمد مراد . أخصائي الأنف و الأذن و الحنجرة