This post is also available in: English
الصداع و علاقته بالأنف و الأذن
بقلم د إبراهيم عيسى . استشاري جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و جراحة الأوتار الصوتية
دققت بواسطة د محمد مراد . أخصائي الأنف و الأذن و الحنجرة
“دكتور أنا أعاني من صداع مزمن و قالوا لي انه ممكن تكون الجيوب…” هذه جملة طالما نسمعها في عيادة الأنف و الأذن و الحنجرة.
يعتبر الصداع أو ألم الرأس من المشاكل المعقدة و المتشابكة لكثرة أسبابها و اختلاف أشكالها, و عادة ما يصف المرضى الصداع بأوصاف متنوعة و مختلفة.
قمت بإعادة كتابة هذه المقالة لعدة مرات لما لهذا الموضوع من اشتباكات و و تفاصيل دقيقة حتى قررت بالنهاية كتابة الموضوع بطريقة بسيطة و واضحة بعيدا عن التفاصيل العلمية الدقيقة و اختلاف وجهات النظر التي من الأفضل تركها للندوات و المؤتمرات العلمية الخاصة بالأطباء باعتبار الهدف من هذه المجموعة من المقالات هو تبسيط مفاهيم الأنف و الأذن و الحنجرة على القارئ و ليس تعقيدها.
الصداع هو ألم الرأس , قد يحدث في أي مكان بالرأس و قد يسببه الكثير من الأمراض و المشاكل الصحية و التي تشمل مشاكل الدماغ و الأعصاب و العيون و الأسنان و الجيوب الأنفية و الأذن و الفم و الرقبة و الفك و الإعتلالات الهرمونية و نقص بعض الفيتامينات و المعادن و اختلالات ضغط الدم و نسبة السكر بالدم بالإضافة الى المشاكل النفسية و التعب الجسمي و الإجهاد و غيرها.
قد يكون الصداع مؤقتا و بسيطا و قد يكون مزمنا , في هذا السياق سأتحدث عن الصداع المزمن و المتكرر.
سيكون حديثي متركزا على أنواع الصداع الخاصة بالأنف و الأذن و الحنجرة تاركا أهل الاختصاص في المجالات الأخرى للحديث عن أسباب الصداع الخاصة بهم , إلا أني لا أستطيع أن أترك في هذا المجال التنبيه على موضوع يكثر الخطأ فيه : الكثير من المرضى يأتون للعيادة بعد ذهابهم للكثير من الأطباء و في مختلف الاختصاصات لعلاج الصداع و عندما أطلب منهم زيارة طبيب المخ و الأعصاب يقولون لي:دكتور أعصابي و دماغي سليمة لقد أجريت صورة رنين و كان كل شيئ سليم” ينبغي العلم هنا أن الصورة الطبيعية قد تعني عدم وجود أورام أو نزيف بالدماغ لكنها لا تعني بأي حال من الأحوال أن المريض لا يعاني من صداع توتري أو صداع نصفي (شقيقة) أو ما شابهها , فالكثير من مشاكل الأعصاب المسببة للصداع يتم تشخيصها بالفحص السريري و ليس بالضرورة بالصور.
يمكن تقسيم أسباب الصداع المتعلقة بالأنف و الأذن و الحنجرة الى قسمين: الأول متعلق بالأنف و الجيوب الأنفية و الثاني متعلق بالأذن و ما حولها. الصداع المتعلق بالأذن تم شرحه بشكل تفصيلي في مقالة أخرى بعنوان ألم الأذن و وضحت بها أن الام الأذن قد تكون أيضا ناتجة عن مشاكل الأسنان و الفك و الحنجرة و ذلك لاشتراكهم مع الأذن بنفس الأعصاب الحسيةو ذلك أيضا ينطبق على ألم الراس الذي يكون بالمنطقة الجانبية المحيطة بالأذن فمسببات هذا الألم هي عادة مشاكل الأذن أو الأسنان أو مفصل الفك. انظر أيضا مقال (ألم الأذن).
الصداع الناتج عن الأنف و الجيوب الأنفية يكون عادة ناتج عن تضيق أو انسداد فتحات الجيوب الأنفية بسبب التهاب أو لحميات أو أورام أو حساسية (الرجاء قراءة مقال انسداد الأنف عند الكبار) . يكون صداع الجيوب الأنفية عادة في مقدمة الرأس و في الوجه ( بين العينين و تحت العين و فوق العين ) بالإضافة الى أماكن أخرى أقل شيوعا, عادة ما يرافق الصداع انسداد الأنف الجزئي أو الكامل و قد يصاحبه خروج إفرازات أنفية و ضعف بحاسة الشم. يكون صداع الجيوب عادة ذو طبيعة مزمنة بحيث يشعر المريض بضغط بالوجه يزداد تدريجيا و يستمر لفترات متفاوتة و يتميز بزيادة ملحوظة عند وضع الرأس بوضعية أمامية و للأسفل مثل وضعية السجود و يصاحبه عادة ضغط و ألم بالعينين لما لهما من ارتباط وثيق و قرب من الجيوب الأنفية.
لمعرفة إذا ما كان الصداع ناتجا عن الجيوب الأنفية أم لا ينبغي على الطبيب التدقيق بالسيرة المرضية و معرفة تفاصيل الصداع من حيث المكان و وقت الحدوث و مدة الألم والعوامل التي تزيد او تقلل من حدة الالم و علاقته بالأعراض الأخرى , و من ثم الفحص السرير الدقيق للأنف باستخدام التنظير الأنفي و قد يحتاج الطبيب للتصوير الطبقي بالكثير من الحالات لتقيم الجيوب الأنفية من الداخل.
في بعض الأحيان يعاني المريض من صداع الجيوب الأنفية مع عدم وجود التهاب بها و إنما بسبب وجود بعض العيوب الخلقية في الشكل الداخلي للأنف و الجيوب مما يسبب تلامس بعض المناطق و انسداد فتحات الجيوب و بالتالي الصداع. رغم أن تشخيص مشاكل الجيوب الأنفية قد يكون سهلا في معظم الحالات خاصة إذا توافرت إمكانيات التنظير و التصوير الطبقي إلا أن ذلك لا يعني أن ربط هذه المشاكل بالصداع الذي يشكو منه المريض يكون سهلا و دقيقا. فمن الصعوبة بمكان اتخاذ القرار بأن الصداع الموجود لدى المريض هو ناتج بشكل مباشر عن مشاكل الجيوب التي يشخصها الطبيب فبالكثير من الأحيان يكون التهاب الجيوب موجودا و مزمنا لكنه ليس هو سبب الصداع الموجود حاليا , فللصداع أسباب كثيره كما سبق الذكر كما أن مشاكل الجيوب الأنفية قد تكون موجودة بشكل كامن في بعض الأحيان دون التسبب بأعراض أنفية أو صداع.
ما أقوم به في عيادتي عادة هو فهم الحالة المرضية و الشكوى بشكل دقيق و من ثم القيام بالفحص اللازم و الصورة الطبقية في معظم الأحيان , بعد ذلك أحاول تلخيص ما ذكر للمريض لتوعيته بمدى علاقة الصداع الذي يعاني منه بمشاكل الجيوب الأنفية الموجودة عنده (إن وجدت) و من ثم إعطاء العلاج الدوائي لهذه المشاكل حتى لو لم تكن هي السبب المباشر للصداع ما دام أن الأدوية ليس لها أعراض جانبية أو أضرار على المريض, و من ثم متابعة المريض لمعرفة مدى استجابة المريض للعلاج و إذا ما تحسن الصداع عليه, أما بالحالات الثي تحتاج الى تداخل جراحي فمن الضروري التأكد من علاقة المشكلة بالجيوب و عدم التسرع بإجراء العملية الجراحية و إعطاء ضمانات للمريض بحل مشكلة الصداع قبل التأكد من أن العملية ستكون ناجعة . للأسف في الكثير من الأحوال لا يمكن التأكد بشكل دقيق لذا فإن النقاش الواضح بين الطبيب و المريض حول احتمالية التخلص من الصداع بالعملية و مدى الفائدة المتوقعة منها بالإضافة الى معرفة الاثار الجانبية للعملية يعتبر الطريق الصحيح للوصول الى النتيجة المرضية للمريض.
بقلم د إبراهيم عيسى . استشاري جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و جراحة الأوتار الصوتية
دققت بواسطة د محمد مراد . أخصائي الأنف و الأذن و الحنجرة