This post is also available in: English
الفرق بين اللحميات و الناميات و القرينات الأنفية
بقلم د إبراهيم عيسى . استشاري جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و جراحة الأوتار الصوتية
دققت بواسطة د محمد مراد . أخصائي الأنف و الأذن و الحنجرة
“دكتور, ابني عندة لحميات”, “دكتور, طبيبي العام قال لي انه عندي لحميات”, “دكتور, سمعت انه اللحميات بترجع”, ” دكتور, عملية اللحميات اللي عملتها قبل سنين كانت صعبة و نزفت كثيرو حطولي فتايل, كيف بدك تعمل عملية لابني بدون نزيف و بخمس دقايق؟”, “دكتور , بقولوا انه اللحميات بتنشال بالعيادة صحيح؟”, ” دكتور, ليش ما بتقدر تشوف لحميات بنتي من انفها؟ و ليش بتفحص حلقها؟ هي اللحميات مش بالأنف؟”.
يعتبر الكثير من المرضى و الأطباء العامين اي انسداد في اللأنف دلالة على وجود لحميات. المصطلح “لحمية” مصطلح عام و يستخدم بالكثير من الحالات في غير مكانه . لذلك قررت كتابة هذا المقال للتوعية ببعض المفاهيم و لنوضيح الفروقات بين ما يطلق عليه لحمية و ما هو فعلا لحمية.
سأحاول في هذا المقال توضيح الفرق بين اللحمية و الناميات الأنفية و القرينات الأنفية التي يطلق معظم الناس عليهم جميعا اسم لحمية بشكل خاطئ . أما باقي اسباب انسداد الانف فيمكنكم قراءة (انسداد الأنف عند الكبار) و (انسداد الأنف عند الأطفال) .
بشكل عام, عندما يذكر المريض او الطبيب المصطلح (لحمية) فإنه عادة يعني إما الناميات الأنفية, أو السلالات الجيوبية, أو القرينات الأنفية المتضخمة كون هذه المشاكل جميعها تشكل تورما لحميا (غير صلب) يسبب انسداد الأنف. نظرا للاختلاف الكبير بين طبيعة هذه الأمراض الأنفية فإن طريقة تشخيصها, و الخيارات المتاحة لعلاج
ها, و الحاجة للجراحة من عدمها, و طريقة الجراحة الخاصة بها و صعوبتها, و المشاكل المترتبة عليها, بالإضافة الى احتمالات عودة المشكلة بعد العلاج او الجراحة كلها مختلفة بين هذه الحالات. لهذا السبب سأقوم بتوضيح كل حالة منها بصفة منفصلة ليتسنى للقارئ معرفة الفرق.
القرينات الأنفية:
تعتبر القرينات الأنفية جزءا من البطانة الجانبية للأنف , و هي موجودة بشكل طبيعي عند كل الأشخاص, و هي ثلاثة في كل جهة من الأنف, عليا, و وسطى , و سفلى. تتكون كل منها من جزء عظمي مغطى بغشاء مخاطي.
تحتوي القرينة السفلى على اوعية دموية وريدية كثيفة مسؤولة عن ترطيب و تدفئة الهواء الداخل الى الأنف قبل وصوله للحلق, و لتحقيق هذه الخاصية فإن القرينة الأنفية السفلى في كل جهة من الأنف تنتفخ بشكل تبادلي كل 8-10 ساعات في حين تنكمش القرينة في الجهة الأخرى ضمن ما يسمى دورة الأنف. في حين لا يشعر الشخص الطبيعي في هذه التغيرات الا ان المريض الذي يعاني من تضخم القرينات يشكو عادة من انسداد في إحدى الجهتين بشكل تبادلي نتيجة وجود زيادة في حجم القرينات الأصلي بسبب التهاب أو تحسس.
تشخيص هذه الحالة عادة يكون بالفحص السريري من خلال تنظير الأنف. علاج التضخم في قرينات الأنف يكون عادة بعلاج سبب التضخم و ذلك باستخدام الأدوية و بخاخات الأنف المخففة للحساسية و الإلتهاب , في حالة كان التضخم مزمنا و لم تنجح المعالجة بالأدوية فيمكن أن نلجأ لتصغير القرينات جراحيا بالمنظار. يمكن تصغير القرينات الأنفية جراحيا بعدة طرق مثل استخدام الكي, و استخدام الكي البارد (coablation), أو استخدام جهاز القص (microdebrider) مع المحافظة في كل الطرق على الغطاء المخاطي الخارجي للقرينات لمنع الإلتصاقات . تتراوح صعوبة العملية و نسبة النجاح من طريقة الى أخرى , بعضها يمكن اجراءه بتخدير موضعي بالعيادة و بعضها يحتاج لتخدير كامل في غرفة العمليات.
لما كان السبب في تضخم القرينات الأنفية هو الإلتهاب أو الحساسية و لأننا لا نعمل على استئصال القرينات بشكل كامل لما لذلك من عواقب سيئة على صحة الأنف و الجيوب فإن من الممكن عودة التضخم مرة أخرى سواء بعد العلاج الدوائي او الجراحي, إلا ان احتمالية عودة التضخم و سرعة عودته تتغير بحسب عدة عوامل منها الطريقة الجراحية المتبعة, خبرة الجراح, استمرار تعرض المريض لمسببات الحساسية, و شدة الحساسية عند المريض.
الناميات الأنفية:
الناميات الأنفية هي جزء من الأنسجة اللمفاوية الموجودة في سقف الحلق و الجهة الخلفية للأنف عند كل الأطفال بشكل طبيعي و هي مسؤولة عن مقاومة الميكروبات الداخلة للجسم عن طريق الأنف و الفم بشكل مشابه لعمل اللوزتين. مع وصول الطفل الى عمر تسع سنوات تبدأ الناميات الأنفية بالضمور التدريجي بحيث نادرا ما تبقى موجودة لدى البالغين.
عند حدوث التهاب أو حساسية في الأنف او الحل
ق تتضخم هذة الناميات مما يؤدي الى انسداد الأنف نتيجة إغلاق المنفذ الخلفي له, في حين قد يكون هذا التضخم طبيعيا و صحيا لمقاومة الإلتهابات في الحالات المؤقتة إلا ان استمرار وجود التضخم بعد زوال المسبب يؤدي الى استمرار انسداد الأنف و ما يترتب عليه من سلبيات مثل الشخير, و انقطاع النفس الليلي, و انسداد قناة اوستاكيوس الواصلة بين خلف الأنف و الأذن الوسطى مما يضعف السمع و يؤدي الى تجمع سوائل في الأذن الوسطى و التهاب الأذن الوسطى. كما ان تضخم الناميات المزمن قد يؤدي الى اثار سلبية على صحة الصدر و القلب و اختلافات في التكوين العظمي لشكل الفك و الوجه.
يمكن تشخيص تضخم الناميات الأنفية عادة بأخذ السيرة المرضية الدقيقة للمريض و فحص الأنف و الحلق لملاحظة وجود افرازات زائدة ناتجة عن الناميات الأنفية , و يمكن التأكد من التشخيص بعمل تنظير للأنف للوصول الى خلف الأنف و رؤية الناميات , إلا أن ذلك يكون صعبا عادة عند الأطفال و يمكن الاستعاضة عنه برؤية الناميات بالمراه من خلال الفم او عمل صورة أشعة .
علاج تضخم الناميات الأنفية أيضا يبدأ ببخاخات الأنف و أدوية الحساسية لعلاج السبب الكامن وراء تضخمها , لكن عندما لا تجدي هذه الأدوية فإن العلاج الجراحي هو الحل. تعتبر عملية استئصال الناميات الأنفية عملية يومية و بسيطة مدتها لا تتجاوز العشر دقائق اذا استثنينا مدة التخدير و الإفاقة إذ تتم العملية تحت التخدير العام بغرفة العمليات. احتمال الألم او النزيف بعد هذه العملية قليل جدا على عكس عملية لحميات الجيوب الأنفية, كما ان عودة تضخم الناميات الأنفية بعد العملية الجراحية يعتبر نادرا جداو قد يكون ناتجا عن عدم الإستئصال الكامل في العملية الأولى على عكس ما يحدث في حالة القرينات الأنفية او اللحميات الجيوبية.
اللحميات الجيوبية :
اللحميات الأنفية او الجيوبية أو السلالات الأنفية هي عبارة عن اورام حميدة ليست موجودة بشكل طبيعي بالأنف و إنما تتكون نتيجة تورم الغشاء المخاطي داخل الجيوب نتيجة التهابات متكررة أو حساسية مزمنة مما يؤدي الى نمو بروزات لحمية داخل الجيوب , تنمو تدريجيا لتملأ الجيوب ثم تخرج الى مجرى النفس في التجويف الأنفي لتبدأ تدريجيا بسد الأنف. قد تتكون هذة اللحميات في جيب واحد أو أكثر و تختلف سرعة نموها من مريض لاخر و قد تكون مصاحبة لأمراض أخرى كحساسية الصدر و الأزمة الرئوية.تظهر هذه اللحميات في البالغين و نادرا ما تتكون عند الأطفال على عكس الناميات الأنفية.
يبدأ تشخيص اللحميات الأنفية عند المريض بأخذ السيرة المرضية و فحص الأنف, في حين تكون بعض اللحميات واضحة بالأنف من خلال الفحص فقط إلا أن الكثير من الحالات تحتاج لتنظير الأنف و التصوير الطبقي لتشخيص اللحميات كون اللحميات قد تكون في بداياتها و لم تصل لتجويف الأنف بعد. يعد التصوير الطبقي للجيوب الأنفية أساسيا في علاج و تقييم هذة اللحميات حتى لو كانت واضحة بالفحص و ذلك لمعرفة مدى انتشارها في الجيوب و مدى تأثيرها على العين و الدماغ.
علاج الحميات الأنفية يشمل العلاج الدوائي و الجراحي, و يعد العلاج الدوائي في هذةه الحالة مخففا لحجم اللحميات و ليس علاجا جذريا. العلاج الجراحي يتمثل بعملية تنظيف الجيوب الأنفية تحت التخدير العام و توسيع فتحات الجيوب الأنفية , و تعتبر هذه العملية أكثر تعقيدا و مخاطرا من عملية الناميات الأنفية و القرينات الأنفية لما لها من تداخلات قريبة من العين و الدماغ و الشرايين الدموية الأساسية في الجيوب الأنفية و عادة ما يتلوها افرازات دموية تحتاج للمتابعة خلال الأسبوع الأول بعد العملية.
عودة نمو اللحميات الجيوبية شي شبه حتمي عل عكس الناميات و القرينات, إلا أن سرعة نمو اللحميات الجيوبية مرة أخرى بعد العملية الجراحية يختلف من مريض لاخر و قد يتراوح بشكل كبير من عدة أشهر الى عدة سنوات و يعتمد ذلك على شدة الحساسية عند المريض و استمرار تعرضه لمسبب الحساسية و مدى التزامه بالعلاج بعد العملية بالإضافة الى خبرة و قدرة الجراح على استئصال كامل اللحميات من داخل الجيوب. لتوضيح الفكرة تخيل وجود شجرة تنمو من الرصيف المحاذي لبيتك و تصل فروعها لداخل غرفتك الموجودة بالطابق الثاني, قد يكون قص أغصان الشجرة من داخل الغرفة فقط حل سريع و سهل لكن ذلك يسمح بنمو الأغصان مرة أخرى خلال وقت قصير , لكن إذا حاولنا قص الشجرة من جذعها فوق الرصيف مباشرة فإن ذلك يعني السماح بمرور وقت طويل قد يصل الى سنوات قبل نمو الشجرة و وصول الأغصان داخل الغرفة مرة أخرى, إلا أنه يجب ملاحظة أن هذه العملية قد تحتمل بعض المخاطر على بنية الرصيف و النافذة المؤدية للغرفة و سيكون العمل أكثر صعوبة و يحتاج لخبرة و أدوات خاصة, كذلك الحال بالنسبة لعملية اللحميات الأنفية يحتاج الطبيب فيها للأجهزة و الأدوات التي تساعدة على دخول الجيوب و تنظيفها دون التسبب بالأضرار لما يحيط بالجيوب من أعضاء كالعيون و الدماغ و يحتاج الجراح لإتخاذ القرار المعتدل الذي يمكن المريض من التخلص من الحد الأكبر من اللحميات خلال العملية بأقل ضرر ممكن. لذلك قد نسمع كثيرا عن عدم جدوى عملية الجيوب أو ان المشكلة عادت بعد العملية لذا ينبغي التنويه ان عودة المشكلة بعد عملية الجيوب هي حالة خاصة نتيجة وجود هذا النوع من اللحميات الجيوبية و ذلك لا ينطبق على باقي مشاكل الأنف و الجيوب و عملياتها.
الرسالة المبتغاة من هذا المقال هو ان ليس كل ما يسد الأنف لحمية و ليس كل ما يطلق عليه لحمية متشابه, لذا فإن عمل مقارنات بين حالتك و حالة صديقك أو ابنك و القيام بالإستنتاجات و العلاج بناء على تشابه اسم التشخيص قد يكون خاطئا في كثير من الأحوال و قد يؤدي الى توقع خاطئ للعلاج و للعواقب الناتجة عن العملية الجراحية. فعندما يتم تشخيصك من قبل طبيبك بأنك تعاني من لحميات أو التهاب الجيوب أو انسداد الجيوب أنصحك دائما أن تطلب من طبيبك توضيح نوعية المشكلة و وصفها بشكل دقيق.إقرأ أيضا ( الجيوب الأنفية بين الحقيقة و الأشاعة ) .
بقلم د إبراهيم عيسى . استشاري جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة و جراحة الأوتار الصوتية
دققت بواسطة د محمد مراد . أخصائي الأنف و الأذن و الحنجرة